فصل: مسألة‏:‏ إن كانت ردتها بعد الدخول فلا نفقة لها وإن لم تسلم حتى انقضت عدتها‏,‏ انفسخ نكاحها ولو كان هو المرتد بعد الدخول فلم يعد إلى الإسلام حتى انقضت عدتها‏,‏ انفسخ النكاح منذ اختلف الدينان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولو تزوجها‏,‏ وهما مسلمان فارتدت قبل الدخول انفسخ النكاح‏,‏ ولا مهر لها وإن كان هو المرتد قبلها وقبل الدخول فكذلك إلا أن عليه نصف المهر‏]‏

وجملة ذلك أنه إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول‏,‏ انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم إلا أنه حكي عن داود‏,‏ أنه لا ينفسخ بالردة لأن الأصل بقاء النكاح ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ ولا تمسكوا بعصم الكوافر ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ‏}‏ ولأنه اختلاف دين يمنع الإصابة‏,‏ فأوجب فسخ النكاح كما لو أسلمت تحت كافر ثم ينظر فإن كانت المرأة هي المرتدة فلا مهر لها لأن الفسخ من قبلها‏,‏ وإن كان الرجل هو المرتد فعليه نصف المهر لأن الفسخ من جهته فأشبه ما لو طلق‏,‏ وإن كانت التسمية فاسدة فعليه نصف مهر المثل‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإن كانت ردتها بعد الدخول فلا نفقة لها وإن لم تسلم حتى انقضت عدتها‏,‏ انفسخ نكاحها ولو كان هو المرتد بعد الدخول فلم يعد إلى الإسلام حتى انقضت عدتها‏,‏ انفسخ النكاح منذ اختلف الدينان‏]‏

اختلفت الرواية عن أحمد فيما إذا ارتد أحد الزوجين بعد الدخول حسب اختلافها فيما إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين‏,‏ ففي إحداهما تتعجل الفرقة وهو قول أبي حنيفة ومالك وروى ذلك عن الحسن وعمر بن عبد العزيز‏,‏ والثوري وزفر وأبي ثور‏,‏ وابن المنذر لأن ما أوجب فسخ النكاح استوى فيه ما قبل الدخول وبعده كالرضاع والثانية يقف على انقضاء العدة‏,‏ فإن أسلم المرتد قبل انقضائها فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى انقضت‏,‏ بانت منذ اختلف الدينان وهذا مذهب الشافعي لأنه لفظ تقع به الفرقة فإذا وجد بعد الدخول جاز أن يقف على انقضاء العدة‏,‏ كالطلاق الرجعى أو اختلاف دين بعد الإصابة فلا يوجب فسخه في الحال‏,‏ كإسلام الحربية تحت الحربى وقياسه على إسلام أحد الزوجين أقرب من قياسه على الرضاع فأما النفقة‏,‏ فإن قلنا بتعجيل الفرقة فلا نفقة لها لأنها بائن منه وإن قلنا‏:‏ يقف على انقضاء العدة وكانت المرأة المرتدة فلا نفقة لها لأنه لا سبيل للزوج إلى رجعتها‏,‏ وتلافى نكاحها فلم يكن لها نفقة كما بعد العدة وإن كان هو المرتد‏,‏ فعليه النفقة للعدة لأنه بسبيل من الاستمتاع بها بأن يسلم ويمكنه تلافى نكاحها‏,‏ فكانت النفقة واجبة عليه كزوج الرجعية‏.‏

فصل‏:‏

فإن ارتد الزوجان معا فحكمهما حكم ما لو ارتد أحدهما إن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة‏,‏ وإن كان بعده فهل تتعجل أو يقف على انقضاء العدة‏؟‏ على روايتين وهذا مذهب الشافعي قال أحمد‏,‏ في رواية ابن منصور‏:‏ إذا ارتدا معا أو أحدهما ثم تابا‏,‏ أو تاب فهو أحق بها ما لم تنقض العدة وقال أبو حنيفة‏:‏ لا ينفسخ النكاح استحسانا لأنه لم يختلف بهما الدين‏,‏ فأشبه ما لو أسلما ولنا أنها ردة طارئة على النكاح فوجب أن يتعلق بها فسخه‏,‏ كما لو ارتد أحدهما ولأن كل ما زال عنه ملك المرتد إذا ارتد وحده زال إذا ارتد غيره معه‏,‏ كماله وما ذكروه يبطل بما إذا انتقل المسلم واليهودية إلى دين النصرانية فإن نكاحهما ينفسخ‏,‏ وقد انتقلا إلى دين واحد وأما إذا أسلما فقد انتقلا إلى دين الحق ويقران عليه‏,‏ بخلاف الردة‏.‏

فصل‏:‏

إذا ارتد أحد الزوجين أو ارتدا معا منع وطؤها‏,‏ فإن وطئها في عدتها وقلنا‏:‏ إن الفرقة تعجلت فلها عليه مهر مثلها لهذا الوطء مع الذي يثبت عليه بالنكاح لأنه وطئ أجنبية‏,‏ فيكون عليه مهر مثلها وإن قلنا‏:‏ إن الفرقة موقوفة على انقضاء العدة فأسلم المرتد منهما أو أسلما جميعا في عدتها وكانت الردة منهما‏,‏ فلا مهر لها عليه بهذا الوطء لأنا تبينا أن النكاح لم يزل وأنه وطئها وهي زوجته وإن ثبتا أو ثبت المرتد منهما على الردة‏,‏ حتى انقضت عدتها فلها عليه مهر المثل لهذا الوطء لأنه وطء في غير نكاح يشبه النكاح لأننا تبينا أن الفرقة وقعت منذ اختلف الدينان وكذا الحكم فيما إذا أسلم أحد الزوجين بعد الدخول‏,‏ فوطئها في العدة قبل إسلام الآخر فالحكم فيه مثل الحكم ها هنا لما ذكرنا من التعليل فيه‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أسلم أحد الزوجين ثم ارتد‏,‏ نظرت فإن لم يسلم الآخر في العدة تبينا أن وقوع الفرقة كان منذ اختلف الدينان وعدتها من حين أسلم المسلم منهما‏,‏ وإن أسلم الأخر منهما في العدة قبل ارتداد الأول اعتبر ابتداء العدة من حين ارتد لأن حكم اختلاف الدين بإسلام الأول زال بإسلام الثاني في العدة ولو أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه‏,‏ ثم ارتد لم يكن له أن يختار منهن لأنه لا يجوز أن يبتدئ العقد عليهن في هذه الحال وكذلك لو ارتددن دونه أو معه لم يكن له أن يختار منهن لذلك‏.‏

فصل‏:‏

وإذا تزوج الكافر بمن لا يقر على نكاحه في الإسلام مثل أن جمع بين الأختين‏,‏ أو بين عشر نسوة أو نكح معتدة أو مرتدة ثم طلقها ثلاثا‏,‏ ثم أسلما لم يكن له أن ينكحها لأننا أجرينا أحكامهم على الصحة فيما يعتقدونه في النكاح فكذلك في الطلاق‏,‏ ولهذا جاز له إمساك الثانية من الأختين والخامسة المعقود عليها آخرا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا زوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته‏,‏ فلا نكاح بينهما وإن سموا مع ذلك صداقا أيضا‏]‏

هذا النكاح يسمى الشغار فقيل‏:‏ إنما سمى شغارا لقبحه تشبيها برفع الكلب رجله ليبول‏,‏ في القبح يقال‏:‏ شغر الكلب‏:‏ إذا رفع رجله ليبول وحكي عن الأصمعى أنه قال‏:‏ الشغار‏:‏ الرفع فكأن كل واحد منهما رفع رجله للآخر عما يريد ولا تختلف الرواية عن أحمد في أن نكاح الشغار فاسد رواه عنه جماعة قال أحمد‏:‏ وروي عن عمر‏,‏ وزيد بن ثابت أنهما فرقا فيه وهو قول مالك والشافعي وإسحاق حكي عن عطاء‏,‏ وعمرو بن دينار ومكحول والزهري‏,‏ والثوري أنه يصح وتفسد التسمية‏,‏ ويجب مهر المثل لأن الفساد من قبل المهر لا يوجب فساد العقد كما لو تزوج على خمر أو خنزير وهذا كذلك ولنا‏,‏ ما روى ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ نهى عن الشغار ‏)‏‏)‏ متفق عليه وروى أبو هريرة مثله أخرجه مسلم وروى الأثرم بإسناد عن عمران بن حصين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا جلب‏,‏ ولا جنب ولا شغار في الإسلام ‏)‏‏)‏ ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر فلم يصح‏,‏ كما لو قال‏:‏ بعني ثوبك على أن أبيعك ثوبى وقولهم‏:‏ إن فساده من قبل التسمية قلنا‏:‏ لا بل فساده من جهة أنه وقفه على شرط فاسد أو لأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج فإنه جعل تزويجه إياها مهرا للأخرى‏,‏ فكأنه ملكه إياه بشرط انتزاعه منه إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يقول‏:‏ على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى أو لم يقل ذلك وقال الشافعي‏:‏ هو أن يقول ذلك ولا يسمى لكل واحدة صداقا لما روى ابن عمر‏,‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ نهى عن الشغار ‏)‏‏)‏ والشغار أن يقول الرجل للرجل‏:‏ زوجتك بنتى على أن تزوجني بنتك ويكون بضع كل واحدة منهما مهر الأخرى ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته‏,‏ وليس بينهما صداق ‏)‏‏)‏ هذا لفظ الحديث الصحيح المتفق عليه وفي حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏‏(‏ والشغار أن يقول الرجل للرجل‏:‏ زوجني ابنتك وأزوجك ابنتى أو زوجني أختك‏,‏ وأزوجك أختي ‏)‏‏)‏ رواه مسلم وهذا يجب تقديمه لصحته وعلى أنه قد أمكن الجمع بينهما بأن يعمل بالجميع ويفسد النكاح بأى ذلك كان ولأنه إذا شرط في نكاح إحداهما تزويج الأخرى فقد جعل بضع كل واحدة صداق الأخرى‏,‏ ففسد كما لو لفظ به فأما إن سموا مع ذلك صداقا‏,‏ فقال‏:‏ زوجتك ابنتى على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة منهما مائة‏,‏ أو مهر ابنتى مائة ومهر ابنتك خمسون أو أقل أو أكثر فالمنصوص عن أحمد‏,‏ فيما وقفنا عليه صحته وهو قول الشافعي لما تقدم من حديث ابن عمر ولأنه قد سمى صداقا‏,‏ فصح كما لو لم يشترط ذلك وقال الخرقي‏:‏ لا يصح لحديث أبي هريرة ولما روى أبو داود‏,‏ عن الأعرج أن العباس بن عبيد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته‏,‏ وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان‏,‏ فأمره أن يفرق بينهما وقال في كتابه‏:‏ هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولأنه شرط نكاح إحداهما لنكاح الأخرى فلم يصح‏,‏ كما لو لم يسميا صداقا يحققه أن عدم التسمية ليس بمفسد للعقد بدليل نكاح المفوضة فدل على أن المفسد هو الشرط‏,‏ وقد وجد ولأنه سلف في عقد فلم يصح‏,‏ كما لو قال‏:‏ بعتك ثوبى بعشرة على أن تبيعني ثوبك بعشرين وهذا الاختلاف فيما إذا لم يصرح بالتشريك فأما إذا قال‏:‏ زوجتك ابنتي‏,‏ على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة منهما مائة وبضع الأخرى فالنكاح فاسد لأنه صرح بالتشريك فلم يصح العقد‏,‏ كما لو لم يذكر مسمى

فصل‏:‏

ومتى قلنا بصحة العقد إذا سميا صداقا ففيه وجهان‏:‏ أحدهما تفسد التسمية‏,‏ ويجب مهر المثل وهذا قول الشافعي لأن كل واحد منهما لم يرض بالمسمى إلا بشرط أن يزوج وليه صاحبه فينقص المهر لهذا الشرط وهو باطل‏,‏ فإذا احتجنا إلى ضمان النقص صار المسمى مجهولا فبطل والوجه الذي ذكره القاضي في ‏(‏‏(‏ الجامع ‏)‏‏)‏‏,‏ أنه يجب المسمى لأنه ذكر قدرا معلوما يصح أن يكون مهرا فصح كما لو قال‏:‏ زوجتك ابنتى على ألف‏,‏ على أن لي منها مائة والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏

وإن سمى لإحداهما مهرا دون الأخرى فقال أبو بكر‏:‏ يفسد النكاح فيهما لأنه فسد في إحداهما ففسد في الأخرى والأولى أنه يفسد في التي لم يسم لها صداقا لأن نكاحها خلا من صداق سوى نكاح الأخرى‏,‏ ويكون في التي سمى لها صداقا روايتان لأن فيه تسمية وشرطا فأشبه ما لو سمى لكل واحدة منهما مهرا ذكره القاضي هكذا‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ زوجتك جاريتى هذه على أن تزوجني ابنتك وتكون رقبتها صداقا لابنتك لم يصح تزويج الجارية‏,‏ في قياس المذهب لأنه لم يجعل لها صداقا سوى تزويج ابنته وإذا زوجه ابنته على أن يجعل رقبة الجارية صداقا لها صح لأن الجارية تصلح أن تكون صداقا وإن زوج عبده امرأة‏,‏ وجعل رقبته صداقا لها لم يصح الصداق لأن ملك المرأة زوجها يمنع صحة النكاح فيفسد الصداق‏,‏ ويصح النكاح ويجب مهر المثل‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولا يجوز نكاح المتعة‏]‏

معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقول‏:‏ زوجتك ابنتى شهرا‏,‏ أو سنة أو إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحاج وشبهه‏,‏ سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة فهذا نكاح باطل نص عليه أحمد فقال‏:‏ نكاح المتعة حرام وقال أبو بكر‏:‏ فيها رواية أخرى أنها مكروهة غير حرام لأن ابن منصور سأل أحمد عنها‏,‏ فقال‏:‏ يجتنبها أحب إلى وقال فظاهر هذا الكراهة دون التحريم وغير أبي بكر من أصحابنا يمنع هذا ويقول‏:‏ في المسألة رواية واحدة في تحريمها وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء وممن روي عنه تحريمها عمر وعلي‏,‏ وابن عمر وابن مسعود وابن الزبير قال ابن عبد البر‏:‏ وعلى تحريم المتعة مالك‏,‏ وأهل المدينة وأبو حنيفة في أهل العراق والأوزاعي في أهل الشام‏,‏ والليث في أهل مصر والشافعي وسائر أصحاب الآثار وقال زفر‏:‏ يصح النكاح‏,‏ ويبطل الشرط وحكي عن ابن عباس أنها جائزة وعليه أكثر أصحاب عطاء وطاوس وبه قال ابن جريج وحكي ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابر وإليه ذهب الشيعة لأنه قد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن فيها‏,‏ وروى أن عمر قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ متعتان كانتا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفأنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج ‏)‏‏)‏ ولأنه عقد على منفعة‏,‏ فيكون مؤقتا كالإجارة ولنا ما روى الربيع بن سبرة أنه قال أشهد على أبي‏,‏ أنه حدث ‏(‏‏(‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عنه في حجة الوداع ‏)‏‏)‏ وفي لفظ‏:‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ حرم متعة النساء ‏)‏‏)‏ رواه أبو داود وفي لفظ رواه ابن ماجه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ‏(‏‏(‏ يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع‏,‏ ألا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة ‏)‏‏)‏ وروي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه ‏(‏‏(‏ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية ‏)‏‏)‏ رواه مالك في ‏(‏‏(‏ الموطأ ‏)‏‏)‏ وأخرجه الأئمة النسائي وغيره واختلف أهل العلم في الجمع بين هذين الخبرين‏,‏ فقال قوم‏:‏ في حديث على تقديم وتأخير وتقديره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ونهى عن متعة النساء‏,‏ ولم يذكر ميقات النهى عنها وقد بينه الربيع بن سبرة في حديثه أنه كان في حجة الوداع حكاه الإمام أحمد عن قوم‏,‏ وذكره ابن عبد البر وقال الشافعي‏:‏ لا أعلم شيئا أحله الله ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه إلا المتعة فحمل الأمر على ظاهره‏,‏ وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- حرمها يوم خيبر ثم أحلها في حجة الوداع ثلاثة أيام ثم حرمها‏,‏ ولأنه لا تتعلق به أحكام النكاح من الطلاق والظهار‏,‏ واللعان والتوارث فكان باطلا‏,‏ كسائر الأنكحة الباطلة وأما قول ابن عباس فقد حكي عنه الرجوع عنه فروى أبو بكر‏,‏ بإسناده عن سعيد بن جبير قال‏:‏ قلت لابن عباس‏:‏ لقد كثرت القالة في المتعة حتى قال فيها الشاعر‏:‏

أقول وقد طال الثواء بنا معا ** هل لك في رخصة الأطراف آنسة

يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس ** تكون مثواك حتى مصدر الناس

فقام خطيبا‏,‏ وقال‏:‏ إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير فأما إذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها فقد ثبت نسخه وأما حديث عمر إن صح عنه فالظاهر أنه إنما قصد الإخبار عن تحريم النبي -صلى الله عليه وسلم- لها ونهيه عنها إذ لا يجوز أن ينهى عما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أباحه‏,‏ وبقي على إباحته‏.‏

فصل‏:‏

وإن تزوجها بغير شرط إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد‏,‏ فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم إلا الأوزاعي قال‏:‏ هو نكاح متعة والصحيح أنه لا بأس به‏,‏ ولا تضر نيته وليس على الرجل أن ينوي حبس امرأته وحسبه إن وافقته وإلا طلقها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولو تزوجها على أن يطلقها في وقت بعينه‏,‏ لم ينعقد النكاح‏]‏

يعني إذا تزوجها بشرط أن يطلقها في وقت معين لم يصح النكاح سواء كان معلوما أو مجهولا مثل أن يشترط عليه طلاقها إن قدم أبوها أو أخوها وقال أبو حنيفة‏:‏ يصح النكاح‏,‏ ويبطل الشرط وهو أظهر قولي الشافعي قاله في عامة كتبه لأن النكاح وقع مطلقا وإنما شرط على نفسه شرطا‏,‏ وذلك لا يؤثر فيه كما لو شرط أن لا يتزوج عليها ولا يسافر بها ولنا‏,‏ أن هذا شرط مانع من بقاء النكاح فأشبه نكاح المتعة ويفارق ما قاسوا عليه‏,‏ فإنه لم يشترط قطع النكاح‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وكذلك إن شرط عليه أن يحلها لزوج كان قبله‏]‏

وجملته أن نكاح المحلل حرام باطل في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والنخعي وقتادة‏,‏ ومالك والليث والثوري‏,‏ وابن المبارك والشافعي وسواء قال‏:‏ زوجتكها إلى أن تطأها أو شرط أنه إذا أحلها فلا نكاح بينهما‏,‏ أو أنه إذا أحلها للأول طلقها وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح النكاح ويبطل الشرط وقال الشافعي في الصورتين الأوليين‏:‏ لا يصح وفي الثالثة على قولين ولنا ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ لعن الله المحلل‏,‏ والمحلل له ‏)‏‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي‏,‏ وقال‏:‏ حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر بن الخطاب وعثمان‏,‏ وعبد الله بن عمر وهو قول الفقهاء من التابعين وروى ذلك عن على وابن مسعود وابن عباس وقال ابن مسعود‏:‏ ‏(‏‏(‏ المحلل والمحلل له ملعون‏,‏ على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم- ‏)‏‏)‏ وروى ابن ماجه عن عقبة بن عامر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ ألا أخبركم بالتيس المستعار‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى يا رسول الله قال‏:‏ هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له ‏)‏‏)‏ وروى الأثرم‏,‏ بإسناده عن قبيصة بن جابر قال‏:‏ سمعت عمر وهو يخطب الناس‏,‏ وهو يقول‏:‏ والله لا أوتى بمحل ولا محلل له إلا رجمتهما ولأنه نكاح إلى مدة أو فيه شرط يمنع بقاءه فأشبه نكاح المتعة‏.‏

فصل‏:‏

فإن شرط عليه التحليل قبل العقد ولم يذكره في العقد ونواه في العقد أو نوى التحليل من غير شرط فالنكاح باطل أيضا قال إسماعيل بن سعيد‏:‏ سألت أحمد عن الرجل يتزوج المرأة‏,‏ وفي نفسه أن يحللها لزوجها الأول ولم تعلم المرأة بذلك قال‏:‏ هو محلل إذا أراد بذلك الإحلال‏,‏ فهو ملعون وهذا ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم وروى نافع عن ابن عمر أن رجلا قال له‏:‏ امرأة تزوجتها‏,‏ أحلها لزوجها لم يأمرني ولم يعلم قال‏:‏ لا‏,‏ إلا نكاح رغبة إن أعجبتك أمسكها وإن كرهتها فارقها قال‏:‏ وإن كنا نعده على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سفاحا وقال‏:‏ لا يزالان زانيين‏,‏ وإن مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها وهذا قول عثمان رضي الله عنه وجاء رجل إلى ابن عباس فقال له إن عمى طلق امرأته ثلاثا‏,‏ أيحلها له رجل‏؟‏ قال‏:‏ من يخادع الله يخدعه وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي‏,‏ وقتادة وبكر المزني والليث‏,‏ ومالك والثوري وإسحاق‏,‏ وقال أبو حنيفة والشافعي‏:‏ العقد صحيح وذكر القاضي في صحته وجها مثل قولهما لأنه خلا عن شرط يفسده فأشبه ما لو نوى طلاقها لغير الإحلال‏,‏ أو ما لو نوت المرأة ذلك ولأن العقد إنما يبطل بما شرط لا بما قصد بدليل ما لو اشترى عبدا فشرط أن يبيعه‏,‏ لم يصح ولو نوى ذلك لم يبطل ولأنه روي عن عمر‏,‏ رضي الله عنه ما يدل على إجازته وروى أبو حفص بإسناده عن محمد بن سيرين‏,‏ قال‏:‏ قدم مكة رجل ومعه إخوة له صغار وعليه إزار‏,‏ من بين يديه رقعة ومن خلفه رقعة فسأل عمر‏,‏ فلم يعطه شيئا فبينما هو كذلك إذ نزغ الشيطان بين رجل من قريش وبين امرأته فطلقها فقال لها‏:‏ هل لك أن تعطى ذا الرقعتين شيئا‏,‏ ويحلك لي‏؟‏ قالت‏:‏ نعم إن شئت فأخبروه بذلك قال‏:‏ نعم وتزوجها ودخل بها فلما أصبحت أدخلت إخوته الدار فجاء القرشى يحوم حول الدار‏,‏ ويقول‏:‏ يا ويله غلب على امرأته فأتى عمر‏,‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين غلبت على امرأتى قال‏:‏ من غلبك‏؟‏ قال‏:‏ ذو الرقعتين قال‏:‏ أرسلوا إليه فلما جاء الرسول قالت له المرأة‏:‏ كيف موضعك من قومك‏؟‏ قال‏:‏ ليس بموضعى بأس قالت‏:‏ إن أمير المؤمنين يقول لك‏:‏ طلق امرأتك فقل‏:‏ لا‏,‏ والله لا أطلقها فإنه لا يكرهك وألبسته حلة فلما رآه عمر من بعيد قال‏:‏ الحمد لله الذي رزق ذا الرقعتين فدخل عليه فقال‏:‏ أتطلق امرأتك‏؟‏ قال‏:‏ لا‏,‏ والله لا أطلقها قال عمر‏:‏ لو طلقتها لأوجعت رأسك بالسوط ورواه سعيد عن هشيم عن يونس بن عبيد‏,‏ عن ابن سيرين نحوا من هذا وقال‏:‏ من أهل المدينة وهذا قد تقدم فيه الشرط على العقد ولم ير به عمر بأسا ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لعن الله المحلل والمحلل له ‏)‏‏)‏ وقول من سمينا من الصحابة‏,‏ ولا مخالف لهم فيكون إجماعا ولأنه قصد به التحليل‏,‏ فلم يصح كما لو شرطه أما حديث ذى الرقعتين فقال أحمد‏:‏ ليس له إسناد‏,‏ يعني أن ابن سيرين لم يذكر إسناده إلى عمر وقال أبو عبيد‏:‏ هو مرسل فأين هو من الذي سمعوه يخطب به على المنبر‏:‏ لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما ولأنه ليس فيه أن ذا الرقعتين قصد التحليل ولا نواه وإذا كان كذلك‏,‏ لم يتناول محل النزاع‏.‏

فصل‏:‏

فإن شرط عليه أن يحلها قبل العقد فنوى بالعقد غير ما شرطوا عليه وقصد نكاح رغبة‏,‏ صح العقد لأنه خلا عن نية التحليل وشرطه فصح كما لو لم يذكر ذلك‏,‏ وعلى هذا يحمل حديث ذى الرقعتين وإن قصدت المرأة التحليل أو وليها دون الزوج لم يؤثر ذلك في العقد وقال الحسن وإبراهيم‏:‏ إذا هم أحد الثلاثة‏,‏ فسد النكاح قال أحمد‏:‏ كان الحسن وإبراهيم والتابعون يشددون في ذلك قال أحمد‏:‏ الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏"‏ أتريدين أن ترجعى إلى رفاعة‏؟‏ ‏"‏ ونية المرأة ليس بشيء إنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لعن الله المحلل والمحلل له ‏)‏‏)‏ ولأن العقد إنما يبطل بنية الزوج لأنه الذي إليه المفارقة والإمساك أما المرأة فلا تملك رفع العقد‏,‏ فوجود نيتها وعدمها سواء وكذلك الزوج الأول لا يملك شيئا من العقد ولا من رفعه‏,‏ فهو أجنبي كسائر الأجانب فإن قيل‏:‏ فكيف لعنه النبي -صلى الله عليه وسلم-‏؟‏ قلنا‏:‏ إنما لعنه إذا رجع إليها بذلك التحليل لأنها لم تحل له فكان زانيا فاستحق اللعنة لذلك‏.‏

فصل‏:‏

فإن اشترى عبدا‏,‏ فزوجها إياه ثم وهبها إياه لينفسخ النكاح بملكها له لم يصح قال أحمد في رواية حنبل‏:‏ إذا طلقها ثلاثا‏,‏ وأراد أن يراجعها فاشترى عبدا فأعتقه‏,‏ وزوجها إياه فهذا الذي نهى عنه عمر يؤدبان جميعا‏,‏ وهذا فاسد ليس بكفء وهو شبه المحلل وعلل أحمد فساده بشيئين‏:‏ أحدهما شبهه بالمحلل‏,‏ لأنه إنما زوجه إياها ليحلها له والثاني كونه ليس بكفء لها وتزويجه لها في حال كونه عبدا أبلغ في هذا المعنى لأن العبد في عدم الكفاءة أشد من المولى‏,‏ والسيد له سبيل إلى إزالة نكاحه من غير إرادته بأن يهبه للمرأة فينفسخ نكاحه بملكها إياه‏,‏ والمولى بخلاف ذلك ويحتمل أن يصح النكاح إذا لم يقصد العبد التحليل لأن المعتبر في الفساد نية الزوج لا نية غيره‏,‏ ولم ينو وإذا كان مولى ولم ينو التحليل فهو أولى بالصحة لأنه لا سبيل لمعتقه إلى فسخ نكاحه فلا عبرة بنيته‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وإذا عقد المحرم نكاحا لنفسه أو لغيره‏,‏ أو عقد أحد نكاحا لمحرم أو على محرمة فالنكاح فاسد

وجملته أن المحرم إذا تزوج لنفسه أو عقد النكاح لغيره‏,‏ ككونه وليا أو وكيلا فإنه لا يصح لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا ينكح المحرم ولا ينكح‏,‏ ولا يخطب ‏)‏‏)‏ رواه مسلم وإن عقد الحلال نكاحا لمحرم بأن يكون وكيلا له أو وليا عليه‏,‏ أو عقده على محرمة لم يصح لدخوله في عموم الحديث لأنه إذا تزوج له وكيله فقد نكح وحكى القاضي في كون المحرم وليا لغيره روايتين إحداهما‏,‏ لا تصح وهي اختيار الخرقي والثانية تصح وهي اختيار أبي بكر لأن النكاح حرم على المحرم لأنه من دواعى الوطء المفسد للحج‏,‏ ولا يحصل ذلك فيه بكونه وليا فيه لغيره والأول أولى لدخوله في عموم الخبر ولأنه عقد لا يصح للمحرم فلا يصح منه كشراء الصيد وقد مضت هذه المسألة في الحج بأبسط من هذا الشرح‏.‏